خلال إلقائه كلمة العراق في الأمم المتحدة.. رئيس الجمهورية: نريد ان نكون طرفاً فاعلاً في اي مسعى للبناء والتقدم

وزارة الخارجية العراقية
الأربعاء، 25 سبتمبر 2019

أكد السيد رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح ان العراق مقبل الآن على تطورات ايجابية هامة، أمنياً وسياسياً واقتصادياً.
وشدد السيد الرئيس، خلال القائه كلمة العراق في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، اليوم الأربعاء 25-9-2019 ، على أن هناك منحى إِيجابي من التحولات لم نشهده على مر السنوات الماضية، وهو اتجاه يبعث على الأمل بمستقبل واعد، يتوجب علينا أن نقيّم هذه التطورات الإيجابية ونؤسس عليها في ضوء الاستقرار الأمني المتحقق حتى الآن، آخذين في الحسبان ماتعرض له شعب العراق على مدى ٤٠ سنة مضت من الإستبداد و حملات الإبادة والانفال والمقابر الجماعية وإستخدام الأسلحة الكيماوية في حلبجة وتجفيف الاهوار وتدمير البيئة والحروب والحصار واستباحة الارهاب وتخريب البنى التحتية والفساد.
وأضاف رئيس الجمهورية أن هناك أجواء إيجابية في معالجة المشاكل المتراكمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان على أساس الدستور، ودور ممثلية الأمم المتحدة في بغداد مهم على هذا الصعيد خصوصاً مايتعلق بقضية كركوك والمناطق المختلف عليها والمساعدة في إيجاد الحلول حسب دستورنا، مشيراً الى ان التحديات مازالت ماثلة، واستحقاقات النصر الناجز بالقضاء التام على الإرهاب مازالت تتطلب تكاتفاً اقليمياً ودولياً لمحاربة هذهِ الآفة الخطيرة.
وأوضح السيد الرئيس كنا لفترات طويلة ساحة صراع للاخرين، دفعنا ودفعت المنطقة اثماناً باهظةً لعدم الاستقرار في العراق. مصلحتنا، بل مصلحة المنطقة، تحتم أن يكون العراق جسراً للتفاهم بين اشقائه وجيرانه، لذلك نجدد من هذا المنبر الدعوة الى بناء منظومة امنية مشتركة في الشرق الاوسط، والتأسيس لنظام تكامل اقتصادي وتنسيق سياسي لاستئصال الارهاب و ضمان الاستقرار.
وأكد رئيس الجمهورية أن العالم بحاجة الى العمل الجاد لتأسيس تحالف دولي لمحاربة شبكات الفساد وتهريب وتبييض الأموال، ولتجفيف منابع تمويل الفكر المتطرف، أسوةً بالتحالف الدولي ضد الارهاب، وبما يسمح بمساعدة بلداننا على استرداد الاموال المنهوبة و إستئصال هذه الآفة الخطيرة.
ولفت سيادته الى ان الوضع الإقليمي خطير و ينذر بعواقب كارثية علينا تداركها وكفى بنا حروباً، يقيناً لسنا بحاجة الى حرب جديدة في المنطقة وخصوصاً ان الحرب الأخيرة ضد الإِرهاب لم تستكمل بصورة قاطعة، موضحاً ان "موقفنا ثابت بضرورة احلال لغة الحوار محل لغة التوتر والتصعيد، وهذا الموقف يتأسس على حقائق ومعطيات تفرضها مصالح شعوب منطقتنا، ونعتقد أن مشتركات محاربة الارهاب والتطرف وضرورة التحول الإقتصادي لإيجاد فرص عمل لشبابنا العاطل عن العمل تبقى أهم من الإختلافات القائمة .. والحل يبدأ بتفاهمٍ شاملٍ يقوم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والإحترام المتبادل للسيادة الوطنية لدول المنطقة واعلاء قيم حقوق الإنسان".
وشدد رئيس الجمهورية على ان للعراق وضع محوري في المنطقة، ولدينا الكثير من الإعتبارات الجيوسياسية والإقتصادية والثقافية والدينية، حيث أن العراق مهد نبينا إبراهيم عليهِ السلام، والعراق بجواره الإسلامي وعمقهِ العربي، هو نقطة تلاقٍ لشعوبٍ كبرى في المنطقة من العرب والفرس والترك والكرد، وبما يسمح لبلدنا بمكوناته من شيعةٍ وسُنةٍ، وعَربٍ وكُردٍ وتركمانٍ، مسلمين ومسيحيين وصابئة وإيزيديين وشبکٍ، أن يكون عاملاً مساعداً أساسياً من أجل تحقيق السلام والتفاهم ما بين الدول، وأن يكون طرفاً فاعلاً في أيّ مسعى للبناء والتقدم والتطوير.
وأشار سيادته الى ضرورة الاسهام الجاد في حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية حسب المقررات الدولية وبما يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مؤكداً ان قرار ضم الجولان وغور الاردن يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وعامل تأجيج وتأزيم.
وشدد السيد الرئيس على ان استمرار الحرب في اليمن مدعاة قلق كبير وان استهداف امن الخليج والمملكة العربية السعودية الشقيقة تطور خطير نحن قلقون منه فأمننا مرتبط بأمن الخليج والمنطقة، داعياً الى وضع حد للوضع المأساوي في سوريا وتمكين السوريين من صنع حل سياسي دائم.
وفيما يلي نص الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرَئيس..
السيد الأمين العام..
السَيدات والسادة الحُضور الكَريم..
يُسعِدُني أَن اُحييكم باسمِ العراق، الدَولةِ المُؤسسةِ في الأممِ المُتحدةِ، وأتمنى للجمعيةِ العُموميةِ في دَورتِها الحَاليةِ النجاحَ، وخاصةً أننا نرى أَن أولوية مُواجهةِ تَحدياتِ المَناخِ والصِحةِ والتنميةِ المُستدامةِ هي خُطوةٌ بناءةٌ نتمنى أن تُساهم في إِيجادِ أرضيةٍ دَوليةٍ مُشتركةٍ على مَسارِ الحِلولِ المَطلوبةِ لكوكَبِنا وللإِنسانيةِ أَجمعها.
لَقْد تَبنتْ مُنظمةُ الأُممِ المُتحدةِ مُنذُ تأَسيسها مبدأَ الشَراكةِ بين الأُممِ لتَحقيقِ القيمِ العُليا التي تُؤطرُ أهدافها وضَمان الأَمنِ والسِلمِ الدَوليينِ وحلِ النزاعاتِ بالطُرقِ السلميةِ وَتكريسِ حُقوقِ الإِنسانِ كقيمةٍ عُليا وهَدفٍ أسمَى.. وكَانت المَسيرةُ الطويلةُ لهذِهِ المَساعي حافلةً بالإِنجازاتِ الأُمميةِ، والعَقباتِ أيضاً.. آمالُ المَلايينِ حَولَ العالم مَازالتْ مَعقودةً على هَذِهِ المُنظمة لِتعزيزِ الحِوارِ وتَمكينِ الشَراكاتِ المتبادلةِ لمعالجةِ أَزماتِ الفُقرِ والرِعايةِ الصحيةِ والتعليمِ والأمنِ والتنميةِ التي مازالتْ تُلقي بِظلالها الثَقيلةِ عبر العَالم.
الحُضور الكَريم..
أتحدثُ إليكُم في هذا اللقاءِ الأُمميّ المُهمِ عن آمال شَعبِنا وتَطلُعاتِهِ بِاستكمالِ جُهودِ مُواجهةِ الإرهابِ والانتصارِ عَليهِ عِبر تَحقيقِ الحَياةِ الحُرةِ الكريمةِ لمواطنينا وتَكريسِ الأمن وتَوفيرِ الخَدماتِ والنموِ الاقتصاديّ والتَنميةِ المُستدامةِ لا في العِراق حَسب، بَل عَلى صَعيدِ الشرقِ الأوسطِ.
لَقدْ استباحَ الإرهابُ بِلادِنَا، وكَانتْ مَرحلةً عصيبةً و خَطيرةً، وهُناك من تَوقعَ الأسوأ. إن مشروع تنظيمِ داعش الإرهابيّ كانَ مُخططاً خبيثاً لتدميرِ العِراق والمِنطقة، ورَغم التَضحياتِ الكبيرةِ التي سَجلها شَعبنا وقُواتنا المُسلحة من الجَيشِ والحَشدِ الشعبيّ والبِيشمرگةِ وغيرها عَلى طريقِ الحُريةِ ومُقاومةِ الإرهابِ بُمساعدةِ ومُساندةِ التَحالفِ الدَوليّ والأصدقاءِ الذينَ نُقدم لَهُم شُكرنا وتَقديرَنا، فإنَّ التَأَريخ سَوف يُسجلُ أَنَّ العراقيينَ استطَاعوا بِوحدتِهم وإِرادتهِم الصَلبةِ وبالدَورِ الكَبيرِ للمرجعيةِ الدينيةِ من إِسقاطِ هَذَا المَشروعِ التَكفيريّ وحِمايةِ العالمِ من شُرورِهِ.

العِراقُ الآن مُقبلٌ على تَطوراتٍ ايجابيةٍ هامةٍ، أَمنياً وسياسياً واقتصادياً، فهُناكَ مَنحَى إِيجابيّ من التَحولاتِ في العراق لم نَشهدهُ على مَرِ السَنواتِ المَاضية، وهو اِتجاهٌ يبعثُ على الأملِ بمستقبلٍ واعدٍ. ويَجبُ أنْ نُقيّمَ هذهِ التَطوراتِ الإيجابيةِ ونُؤسسَ عَلَيها في ضَوءِ الاستقرارِ الأمنيّ المُتحققِ حَتى الآن، آخذينَ في الحُسبانِ مَا تعرضَ لهُ شَعبَ العِراق عَلَى مدَى ٤٠ سنةً مَضتْ من الاستبدادِ وحَملاتِ الإبادةِ والأنفالِ والمقابرِ الجماعيةِ واستخدامِ الأسلحةِ الكِيماويةِ في حَلبجة وتجفيفِ الأهوارِ وتَدمير البيئةِ والحروبِ والحصارِ واستباحةِ الإرهابِ وتخريبِ البُنى التحتيةِ والفسادِ.
وربما لم يتعرضْ بلدٌ آخر لِما تعرضَ لهُ العراق في هذهِ المُدةِ وهذا الامتدادِ، فهذا الاستقرار المُتحقق إنجازٌ مهمٌ ويجبُ المحافظة عليهِ وعدمِ التفريطِ بهِ.
وهناكَ أجواء إيجابيةٌ في مُعالجةِ المشاكلِ المُتراكمةِ بين الحُكومة الاتحاديةِ وحُكومةِ إقليمِ كُردستان على أساسِ الدُستورِ، ودَورُ مُمثليةِ الأُممِ المُتحدةِ في بَغداد مُهمٌ على هذا الصعيدِ خُصوصاً ما يتعلقُ بقضيةِ كَركوك والمناطقِ المُختلفِ عليها والمساعدةِ في إيجادِ الحلولِ حَسبْ دُستورِنا.
ومعَ هذا، فإنَّ التَحدياتِ مازالتْ ماثلةٌ، واستحقاقاتُ النَصرِ الناجِزِ بالقضاءِ التامِ على الإرهابِ مازَالتْ تتَطلبُ تكاتفاً إقليمياً ودولياً لمحاربةِ هذهِ الآفةِ الخَطيرةِ ومُعالجةِ الظُروفِ التي سَاهمتْ في إيجادِ بِيئةٍ صَالحةٍ لنموَها وتكاثُرِها.
ما زالتْ خُطواتُ إعمارِ المَناطقِ التي تَضررتْ من الحَربِ وإعادةِ النازحينَ في بِداياتِها، وهُناكَ دورٌ ومسؤوليةٌ دَوليةٌ في هذا الصَددِ تَجسدتْ بعضُ مَلامِحها بِمقرراتِ مُؤتمرِ الكويتِ لإعادةِ الإعمارِ عام 2018، والتي نَسعى الى تَفعيلِها بمساعدةِ أشقائِنا وأصدقائِنا. عَلينَا جميعاً ألا نَنشغِلَ عن ضَرورةِ مُواجهةِ الإرهابِ بكافةِ أَشكاله.
النصرُ العَسكريّ على داعش مُهم، لكنْ يَجبُ اَن نَعي اَن هُناكَ فُلولاً للتنظيمِ الإرهابيِّ تُحاول إِعادةَ تَنظيمِ نَفسِها، وهُناكَ ايضاً بؤرٌ خطيرةٍ للإرهابِ و التطرفِ في سُوريا ودُولٍ أُخرى، كَما أَنَ التَوترات الإقليميةِ و التنازعات في المِنطقةِ تَبقَى عَوامِلَ خَطيرةً وبيئةً تَمنحُ الإرهابَ مَساحةً للعودةِ. الإرهابُ يستغِلُ الفَراغَاتِ الأمنيةِ والسياسيةِ، فَعلينا أن نعملَ سوياً لملء تِلكَ الفَراغاتِ.
مِنطقةُ الشَرقِ الأَوسطِ تُعاني من نِزاعاتٍ وحُروبٍ سَنةً تِلوَ الأُخرىَ وعلَينَا أَن نَتحِدَ بجديةٍ للخروجِ من حُقبةِ الأَزماتِ الى مَرحلةِ النُهوضِ.
إنَّ استمرارَ الوضعِ المأساويّ في سُوريا و تَمَكُن التطرفِ و الإرهابِ من إيجادِ بيئةٍ حاضنةٍ لهُ يستوجبُ جُهوداً فِعليةً لتمكينِ السوريينَ من صُنعِ حلٍ سياسيٍّ دائمٍ، يحققُ الاستقرارَ والأمنَ ويضمِنُ حُقوقَ السُوريينَ في السَلامِ و الامنِ و الحُريةِ وَ تقريرِ مُستقبلهمِ من دونِ وصايةٍ او تدخُلٍ.
نؤكِدْ على ضَرورةِ الاسهامِ الجَادِ في إيجادِ حَلٍ عادلٍ وشاملٍ للقَضيةِ الفلسطينيةِ حَسب المُقرراتِ الدَوليةِ، و بِمَا يضمِنْ الحُقوقَ المَشروعةِ للشعبِ الفلسطينيّ. مُجددينَ تَضامُننا مَعَ مُعاناةِ الشَعبِ الفلسطينيّ وحَقهِ المَشروعِ في قِيامِ دَولتهِ المُستقلةِ عَلَى أَرضِهِ. وإنَّ القرارَ الأَخيرَ بضمِ هضبة الجولان وغور الاردن يُمثلُ انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وعامل تأجيج و تأزيم يساعد في استمرار الازمة كنزيف مستمر يؤثر على مستقبل الاستقرار في المنطقة والعالم.
ان استمرار الحرب في اليمن مدعاة قلق كبير، في ضوء التداعيات الامنية والانسانية التي تلقي بظلالها على المنطقة، فان دعم اليمنيين للتوصل الى حل سياسي شامل يستعيد السلم في ربوع بلادهم هو ضرورة تفرضها المخاطر المحيطة.
إِنَّ استهدافَ أَمنَ الخَليج و المَملكةِ العَربيةِ السُعوديةِ الشَقيقةِ، تَطورٌ خَطيرٌ، و نَحنُ في العِراق قَلِقونَ مِن هَذَا التوتُرِ و التَصعيدِ، فَأمننا مُرتبطٌ بأمنِ الخَليجِ و المَنطقةِ، و المُجتمع الدَوليّ يَجبُ أَن يُساعدَ بجديةٍ في تَدارُكِ هَذَا التصعيدِ لما لهُ من تداعياتٍ كَارثيةٍ على الأَمن الاقليميّ والدَوليّ.
الوَضعُ الإقليميّ خَطيرٌ و يُنذرُ بعوَاقِبَ كَارثيةٍ. علينا تَداركَها. كَفى بِنا حُروباً، يَقيناً لسنا بحاجةٍ الى حربٍ جديدةٍ في المنطقةِ و خُصوصاً انَّ الحَربَ الأَخيرةِ ضِد الإِرهابِ لم تُستكمل بِصورةٍ قَاطعةٍ.

مَوقِفنا ثَابتٌ بِضرورةِ إحلالِ لُغة الحِوار محلَ لُغةِ التَوتُر والتَصعيدِ، وهَذَا المَوقِفُ يَتَأسسُ على حَقائِق ومُعطياتِ تَفرضُها مَصالحَ شُعوبِ مِنطقتِنا، ونَعتقدُ أَن مُشتركاتِ مُحاربةِ الارهابِ والتَطرفِ وضَرورةِ التَحولِ الاقتصاديّ لإِيجادِ فُرصِ عَملٍ لشبابِنَا العَاطِلِ عَنْ العَملِ تَبقَى أهمَ من الاختلافاتِ القَائِمةِ .. والحَلُ يبدأُ بتفاهُمٍ شَاملٍ يقومُ عَلى مبدأ عدمِ التَدخل في الشُؤونِ الدَاخِليةِ والاحترامِ المُتبادَلِ للسيادةِ الوطنيةِ لدُولِ المِنطقةِ وإعلاءِ قيمِ حُقوقِ الإِنسان.
هُناك نُقاطٌ مشتركةٌ يمكننا جميعاً الاتفاق عَليهَا – وَهي أننا جميعاً نُريدُ غداً أفضلَ لأبنائِنا وبَناتِنا فَلنعمل على تَهدئةِ الأَوضاعِ وتَبنيّ العَمل البَناءِ.
واقَولُ ايضاً بالرَغم من الاختلافاتِ في المِنطقةِ، استقرارُ العِراق مَصلحةٌ مُشتركةٌ للجَميعِ و مُنطلقٌ يُمكِن لنا أَن نَبنيَّ عَلَيهِ مُشتركاتٍ مُهمةٍ. تَغييبُ العراقِ أو غِيابُه كَانَ عُنصرَ تَوترٍ و عَدم استقرارٍ لعُمومِ المِنطقةِ، والعراقُ يَستعيدُ عَافيتهِ و نَحنُ مُصمِمون على المُضي بهِ الى استقرارٍ دَائم.
للعراقِ، وَضعٌ مَحوريٌّ في المِنطقة، ولدينا الكثيرِ من الاعتباراتِ الجُيوسياسيةِ والاقتصاديةِ والثَقافيةِ والدينيةِ، حيثُ أَنَ العراقَ مهدُ نَبينا إبراهيمَ (عليهِ السلام)، والعراقُ بِجوارهِ الإسلاميّ وعُمقهِ العَربيّ، هو نُقطةُ تَلاقٍ لشعوبٍ كبرى في المنطقةِ من العربِ والفُرسِ والتُركِ والكُردِ، وبِما يسمحُ لبلدِنا بمكوناتهِ من شيعةٍ و سُنةٍ، وعَربٍ و كُردٍ و تركمانٍ، مُسلمينَ ومسيحيينَ وصابئةٍ وإيزيديين و شبكٍ، أنَّ يكونَ عاملاً مساعداً أساسياً من أجل تحقيقِ السلامِ والتفاهُمِ ما بينَ الدولِ، وأن يكونَ طرفاً فاعلاً في أيّ مَسعى للبناءِ والتقدمِ والتطوير.

كُنا لفتراتٍ طويلةٍ ساحةَ صراعٍ للآخرين، دفَعنا و دَفعت المِنطقة ثمناً باهظاً لعدمِ الاستقرارِ في العراق. مَصلحتنا، بل مَصلحة المنطقة، تُحتِم أن يَكونَ العِراق جِسراً للتفاهُم بين أشقائِه وجيرانهِ، لذلك نُجددُ مِنْ هذا المِنبرِ الدعوةَ الى بناءِ منظومةٍ امنيةٍ مُشتركةٍ في الشرقِ الاوسطِ، والتأسيس لنظامِ تكاملٍ اقتصاديّ وتنسيقٍ سياسيٍ لاستئصالِ الارهابِ و ضمانِ الاستقرارِ.
ينطلقُ العراقُ مِنْ مبادئ أساسية في التعاطي مع أزماتِ المِنطقة، لا نُريدُ لبلدنا أن يكونَ طرفاً في الصراعِ الإقليميّ والدوليّ ولا ساحةً لتصفيةِ الحساباتِ الاقليميةِ والدوليةِ وقدْ دفَع شعبنا أثمانَ باهظةً للحروبِ و التنازعُاتِ، و لنْ يكونَ العراقُ جُزءاً منْ محورٍ ضدَّ اخرَ. كفى بنا حُروباً، لانريدُ حرباً جديدةً ولا نتمنَى أن يعاني ايُّ شعبٍ من ويلاتِ الحروبِ كما عانينا، ولنْ يكونَ العراقُ منطلقاً للاعتداءِ على أيّ منْ دولِ الجوارِ، ونسعَى أن تَكونَ أرضنا ميدانَ إعمارٍ واستقرارٍ لا تنازُعَ وتَوتُر. مصلحتنا، بل أمنُ المنطقةِ، مرهونٌ بعلاقةٍ جيدةٍ و مستقرةٍ للعراقِ مع جِيرانهِ، و سياسةُ العِراق اليومَ مُخالفةٌ لما اعتمدَهُ النظامُ السَابِقُ من الخِيارِ العَسكريّ في التعامُل مع الجِيران. فَعلاقتنا تتعززُ مع عُمقِنا العربيّ و الخليجيّ، و نحنُ مصُرونَ علىَ الارتقاء بهذهِ العلاقاتِ و تَطويرها كرُكنٍ مهمٍ من أَركانِ استقرارِنا و أمننا، و كذلكَ علاقاتنا مع جوارِنا في إيران، و التي نرتبطُ و إياها بوشائِجَ ثقافيةٍ ودينيةٍ و مَصالِح مُشتركة و مُتشعبة، و كَذلِك مَعَ جَارتنا الشَماليةِ تُركيا، و التي نَبذلُ جُهوداً لدفعِ العَلاقاتِ الثُنائيةِ معهما الى مزيدٍ من التطور في المجالاتِ المختلفةِ.
العراقُ الديمقراطيُّ الاتحاديُّ المستقرُ سيكونَ منطلقاً للمِ شمل أشقائهِ وجيرانهِ وتعزيزِ تفاهمِ وتوافقِ دولِ المنطقةِ لخلقِ منظومةٍ اقليميةٍ مبنيةٍ على التكاملِ الاقتصاديّ و الامنِ المشتركِ.

الاستقرار المتحققُ في العراق ثمينٌ و مهمٌ، يجبُ أن لا نستخِفَ بِهِ، بل نعملُ على تَكريسهِ، و نتوقعُ من جِيراننا و مِنْ المجتمعِ الدوليّ عدم تحميلِ العراق تبعاتِ اختلافاتِهم و تنازُعاتهِم. أيدينَا وقُلوبنا مفتوحةٌ للجميعِ، ونأملُ المَزيد من التَفهُّم لوضعِ العِراق، وانشغالهِ باستكمالِ النصرِ ضِدَّ الإرهاب، وسَعيهِ من أجلِ إعادةِ إعمارِ ما خَربتهُ الحُروب وإعادةِ النازحينَ الى منَازِلهم و تَوفيرِ فُرصِ العَمَلِ لشبابِنا.
التوافقُ الدوليّ و الإقليميّ مهمٌ لديمومةِ الاستقرارِ و مُناهضةِ الفكرِ المُتطرفِ و الإرهابِ. لكنَّ المهمة الاساسية هي الإصلاحات المطلوبة من أجل تأمين الحكم الرشيد لمواطنينا و محاربة الفساد و توفير فرص العمل لشبابنا.
هذه تحديات ملحة نعمل على مواجهتها ونرى في أهداف الاستدامة الإنمائية إطاراً مهماً لتحقيقها.
إنَّ النهوض بقطاعات التربيةِ والتعليمِ والصحةِ و التنميةِ المستدامةِ، هو الطَريقُ السليم لمكافحةِ الفكر المتطرفِ واستئصالِ الارهابِ من جِذورهِ من خلالِ بِناء اجيالٍ قادرةٍ على صُنعِ المستقبلِ.
الإرثُ الحضاريُّ والتأريخيُّ والتعددُ الديني والقوميّ والمَذهبيّ جعلَ من العِراق على مَرّ التأريخ منارةً للتسامُحِ والتعاونِ والتآخي الدينيّ والفكريّ، ومُنطلقاً لنشرِ الفِكرِ والثقافةِ والآدابِ والعُلومِ، وحضارةِ وادي الرافدين التي تُعدُ من أقدم وأعرقِ الحَضاراتِ الإنسانيةِ، تُمثلُ حاجزاً منيعاً امامَ نشُوءِ وتناميّ الأفكارِ المُتطرفةِ دينياً ومذهبياً وقومياً.
معركةُ العِراقيينَ مازالَتْ مُستمِرةٌ، من أجل تحقيقِ النهضةِ المستحقةِ، ومُحاربةِ الفسادِ وتمكينِ الشبابِ والمرأة وتحقيقِ التنميةِ المُستدامةِ وهي تحدياتٌ مازالتْ ماثلةٌ امامنا، تُضافُ الى تحديّ إعادة النازحين و إعمار المناطِقِ المُدمرةِ. وقد أقرّت الحُكومةُ العراقيةُ قبل أيامِ مشروع قانونٍ لتشكيل مجلسٍ للإعمارِ، وسنتقدمُ مع رئيسِ الوزراءِ العراقيّ، بمشروعِ القانونِ الى برلماننا و نأمل المصادقة عليه و يتولى المجلسُ هذه الملفات ويعيد إعمار البُنى التحتية الكُبرى بمساهمةٍ حكوميةٍ ومن القطاعِ الخاصِ العراقيّ و الاجنبي.
العراقُ بحاجةٍ إعادةِ إعمارٍ شاملةٍ، و منْ خلالِ هذا المشروعِ توقعنا إنه سيوفر البيئةَ القانونيةَ و الإداريةَ للاستثمارِ الخاص وتلبية حاجاتِ العراقيين الماسةِ الى الخدماتِ و فرصِ العمل.
العِراقُ سوقٌ واعدةٌ، فبينَ احتياجات العِراقيينَ و إمكانيتنِا الطبيعيةِ البشريةِ، نعملُ من أجلِ تحويلِ بلدِنا من ساحةٍ للصراعِ والعُنفِ الى محورٍ اقتصاديّ للمنطقةِ، قَدْ يتصورُ البعضُ أنهُ حلمٌ بعيدُ المَنال، أقِرُّ بوجودِ عقباتٍ و تحدياتٍ، لكنني واثقٌ أن هذا مَطلوبٌ و ممكنٌ عراقياً بل وحتى على صعيدِ المنطقةِ.
نعتبرُ أن الارهابَ و الفسادَ وجهانِ لعملة واحدةٍ، ونؤمن أن جُهودَ القَضاء على الإرهابِ يجبُ أن تقترن بجهودٍ فعليةٍ من أجل القضاءِ على الفَسادِ.
الفسادُ هو الاقتصادِ السياسيّ للعُنفِ، وهوَ الممولُ الأساسيّ للإرهابِ. ومن دونِ تَجفيف منابِع تَمويل الارهاب ومَنعِ تحويلِ المَال العام من استثماراتٍ للتربيةِ و التعليمِ و الخدماتِ الى تمويلِ الأزماتِ الاجتماعيةِ و السياسيةِ و الامنيةِ، لايُمكننا المضيّ بخطواتٍ حاسمةٍ نحوَ الاستقرارِ.
العالمُ بحاجةٍ الى العَمل الجَاد لتأسيسِ تحالفٍ دولي لمُحاربةِ شبكاتِ الفسادِ وتهريبِ وتبييضِ الأموال ولتجفيفِ منابِع تمويلِ الفكر المُتطرفِ، أُسوةً بالتحالُفِ الدولي ضِد الارهابِ، وبِما يسمحُ بمساعدةِ بُلداننا على استردادِ الاموالِ المنهوبةِ واستئصال هذهِ الآفةِ الخطيرةِ.
أَيتها السَيداتُ، أيُها السادة..
وادي الرَافدين مهدُ الحَضارةِ و فيه مِن المآثر والخَدماتِ الجَليلة التي قُدمتْ الى الحضارةِ الانسانيةِ، بقدرِ ما فيه مِن الآلامِ والكوارِث، نحنُ نَقرأ في مَلامِح أُمهاتِنا وآبائِنا رسالةَ السلامِ، في ابتساماتِ أبنائِنا وبناتِنا الذينْ جرحتْ الحروبُ طُفولتِهم، في عُيونِ شَبابِنا وشاباتِنا المقبلينَ على الحياةِ، في أزقة شوارعِنا التي أَنهكتها النِزاعاتِ .. نَقرأُ رسالةَ السَلام في ضَمائِرنا كَبشارةٍ أمل للأجيالِ القادمةِ ولكُل الإنسانيةِ.
أُحييّ مواطنينا و شبابِنا و ذَويّ الشُهداءِ و ضَحايا الاستبدادِ في المقابرِ الجماعيةِ و حملاتِ الأنفالِ، وأحييّ إصرارهِم المشروعِ الى الحياةِ الحُرةِ الكريمةِ والسَلامِ والاستقرارِ، وواجبنا ان ننتصر الى طُموحاتِهم و نُلبيها، أمامنا تَحدياتٌ جَسيمةٌ و لكِنْ بِإصرارِنا وإرادتِنا و دَعم و مُساندةِ المُجتمع الدَوليّ نَتمكنُ مِنْ ذلك.
سڵاوم بۆ هاوڵاتیان و سڵاوم بۆ گەنجەكانمان، بۆ كەسوكاری شەهیدان و قوربانیەكانی دكتاتۆریەت لە گۆڕە بەكۆمەڵ و ئەنفالەكان، وخەباتتان پیرۆزە بۆ بەدیهێنانی ژیانێکی ئازاد و خۆشگوزەران و بۆ ئاشتی و ئاسایش. بەدیهێنانی ئاوات و هیواکانتان ئەرکی سەرشانمانە.... ڕێگەمان سەختە بەڵام بە ویستی نەگۆڕەوە و بە پشتیوانی کۆمەڵگەی نێودەوڵەتی سەرکەوتوو دەبین.
السلام تحية الإسلام وجوهره عبر التاريخ، والسلامُ رسالةُ موسى والمَسيح والرُسلِ والأنبياءِ والصَالحينَ ومَنهجِ كُلِ الأديانِ والأفكارِ الإنسانيةِ العظيمةِ، بدعوةِ السلام بَدأنا ونَنتهيّ بِها،
والسَلامُ عليكُمْ ورحمةُ الله و بركاتُهُ.


لقراءة النص الكامل وزارة الخارجية العراقية، اضغط هنا.