مقال بقلم السفير لقمان الفيلي بعنوان: تحديات العراق الداخلية والخارجية

تمر الدول احياناً بالعديد من الازمات السياسية والاقتصادية، والتي قد تنعكس على واقع الحياة اليومية والمرحلية بشكل عام، كما تؤثرعلى طبيعة العلاقة بين الحكومة والشعب . ويتطلب البحث عن معالجات للتحديات التي تواجهها اية دولة وجود فهم حقيقي للأسباب التي تقف وراءها، ورسم ستراتيجيات واضحة تتشكل في ضوئها ملامح سياسة الدولة الداخلية والخارجية، وهو ما يستدعي إعداد برامج تنسجم مع ما تتمتع به البلاد من امكانات وطاقات طبيعية وبشرية.
يعتمد سر نجاح الحكومات في الدول الديمقراطية والمتقدمة بالدرجة الاساس على مدى استيعاب الحكومة والمجتمع للبرنامج الانتخابي الذي روجت له الحكومة في وقت سابق لعملية الاقتراع، وعلى مدى ايمان الحكومة ببرنامجها الذي تضم فقراته أهم التحديات والمشكلات التي تواجهها في حينها او ان يضم برامج لتجنب الاخطار المحتملة. كما تخضع هذه البرامج الى متابعة مؤسسات متعددة، حكومية واخرى مستقلة، لمراقبة تنفيذ الحكومة لبرنامجها.

برامج وستراتيجيات
وتعمل الحكومات المنتخبة على اعداد برامج تتضمن حلولا للمشكلات الداخلية والخارجية التي تواجهها البلاد، كما تشرع بوضع ستراتيجيات لتطوير مختلف جوانب الحياة مستفيد من امكانات البلاد المتاحة وقدرتها على تحقيق اهدافها المرسومة. وفي حالة العراق، ولكي تتمكن الحكومة الحالية من تنفيذ سياساتها بشكل ناجح لا بد لها من تهيئة المستلزمات الضرورية لتحقيق ذلك، وان تحظى بالدعم الشعبي والسياسي لتتمكن من تجاوز العقبات التي تقف في طريق نجاحها في ظل الظروف الامنية والسياسية التي يمر بها العراق اليوم، خصوصا وهو يقود حرباً شرسة ضد المجاميع الارهابية ومنها "داعش" اذ لا يمكن لأية حكومة ان تتمكن من تأدية مهامها بشكل ناجح ما لم تكن موحدة وتحظى بدعم وتأييد داخلي واسع، علماً ان اي برنامج حكومي او ستراتيجية يتم رسمها لمعالجة تلك الازمات تحتم الأخذ بنظر الاعتبار الاضرار التي لحقت بالبنية الاجتماعية في البلد والتي تسببت في ظهور تنظيم "داعش" الارهابي وسيطرته على بعض مناطق العراق.

لم يكن العراق بعيدا عن الازمات التي تمر بها المنطقة العربية، وقد ألقت التحديات الامنية والتحولات السياسية التي شهدتها المنطقة، بظلالها على الاوضاع السياسة والامنية فيه، وجعلت المشهد السياسي العراقي أكثر تعقيداً، وهذا يتطلب بذل جهود استثنائية من الحكومة والمجتمع لرعاية التنوع الديني والاثني والديموغرافي، وتذليل العقبات التي تقف في طريق بناء مؤسساته الديمقراطية في ظل وجود توتر سياسي داخلي وارادات خارجية لم تتناغم مع المعطيات الجديدة ولم تجد لها مساحة كافية تتمدد فيها، فعمدت الى استغلال مختلف الوسائل لتحقيق اهدافها مستفيدة من واقع البيئة الاقليمية التي وجدت في هذه الديمقراطية الوليدة خطراً يهدد استمرارها.

مرحلة خطيرة
ولا يخفى ان العراق يمر اليوم بمرحلة خطرة في اعقاب حكم شمولي ودموي وتسير نحو مسار ديمقراطي تعددي اتحادي فيدرالي، اي السير من اقصى اليسار الذي تسيطر فيه الحكومة على كل مقدرات البلاد، الى اقصى اليمين الذي يضمن حرية السوق والانفتاح على العالم بأوسع آفاقه.

ومن المهم هنا ان لا ننسى الازمة التي تعيشها الجارة سوريا التي سقطت ضحية الصراع الاقليمي في ضوء هشاشة البيت العربي الذي سرعان ما تهاوى امام رياح الانقسام الطائفي والسياسي التي تعصف في المنطقة، وكان له بالغ الاثر على سير الاحداث في العراق، فقد طال مسلسل التخندق تحت ستار التغيير، وحدة وتماسك البنية الاجتماعية في العراق والحق الضرر الكبير بنسيجه المتنوع، ومنح ذلك قوى الارهاب والظلام التي لم تجد طريقها للتغلغل بين صفوف المجتمع العراقي، فرصة لتنفيذ مخططاتها في تقسيم المجتمع على اسس طائفية او قومية او اثنية.

ان الاوضاع الامنية الخطيرة التي يمر بها العراق تتطلب منا بناء مؤسسات امنية قوية تعمل وفق منظور واقعي وستراتيجي ينطلق من حاجة العراق الى وجود منظومة امنية قادرة على بسط الامن والاستقرار في العراق.
كما ينبغي عدم إهمال تقوية علاقات امنية مع دول متقدمة، مثل الولايات المتحدة، في هذا المجال والذي سيتيح للعراق فرصة الاستفادة من خبرات تلك الدول في تدريب قواته وبناء مؤسساته العسكرية والامنية على اسس مهنية ووطنية، وتجهيزها بأحدث الاجهزة واتباعها افضل الاساليب لتنفيذ مهامها، وبما ينسجم مع حاجة العراق الى لعب دور هام في استقرار الساحة الاقليمية والدولية.

مسؤولية الجميع
تقع مسؤولية بناء المجتمع وتعزيز وحدته بشكل اساسي، على عاتق الحكومة المنتخبة، وان من الاهمية بمكان اعداد برامج مخصصة لهذا الغرض، اذ ان المجتمع السليم يخلق بيئة سليمة تتحرك في فلكها عجلة الحياة. ويعد الاهتمام ببناء مجتمع مدني واعٍ من المرتكزات الاساسية التي يعتمد عليها تقدم البلاد وازدهارها، وهو من اولويات البلدان المتقدمة. كما ينبغي ان لا تقتصرعملية حفظ الامن والاستقرار على اجهزة الدولة وحسب وانما هي مسؤولية المجتمع وتمثل واجباً وطنياً يتحمله جميع افراده. وان دور الحكومة في تعزيز الواز الوطني العراقي لدى المجتمع واستنهاض روح الانتماء للعراق سيدعم الجهود الامنية ويجنبها الكثير من المشكلات التي تعجز عن ايجاد حلول ملائمة لها بمفردها، وهو ما لا يمكن تحقيقه الا من خلال اعداد ستراتيجية تنموية شاملة لتهيئة الظروف الملائمة لاستثمار الطاقات البشرية الشابة والهائلة بشكل ايجابي.

يتميز البرنامج الحكومي الحالي بتركيز فقراته على مكافحة الفساد الاداري والمالي واعتماد مبادئ الشفافية والمحاسبة في ادارة شؤون البلاد لما لها من اهمية بالغة في تحقيق العدالة بين مختلف فئات المجتمع وحفظ ثروات البلاد، كما يمهد الطريق نحو تقدم البلاد اقتصادياً من خلال فتح نافذة يطل من خلالها العراق على العالم الخارجي.وسيفسح تعزيز هذ الاجراءات المجال امام الشركات الاجنبية للاستثمار في العراق، اذ لايمكن لرؤوس الاموال الاجنبية ان تلج الى السوق العراقية ما لم تتوفر بيئة سليمة وآمنة تتحرك فيها، وهذ يتطلب تطوير قطاعات مهمة مثل قطاع الخدمات المالية والائتمان وبما ينسجم مع النشاط الاقتصادي العالمي وحاجة السوق العراقية. ويساهم سعي الحكومة للقيام ببعض الاصلاحات الاقتصادية كتشجيع القطاع الخاص وخصخصة بعض الشركات الحكومية وغيرها من المشاريع التنموية الاخرى في دعم النمو الاقتصادي وتنويع موارده.ان الادارة الناجحة للبلاد والانسجام الوطني وتقديم المصالح الوطنية العليا للبلاد وجعلها كقاسم مشترك بين الاولويات لمختلف المكونات السياسية يعد من اهم عوامل الحد من انتشار ظاهرة العنف والتطرف ويزيد من فرص استقرار البلاد، وهذا بدوره سيدعم جهود بناء مجتمع تترسخ فيه مبادئ التعايش السلمي ونبذ الكراهية، كما ويعزز الجهود الاقليمية والدولية للحكومة في حربها ضد كيان "داعش" الارهابي. ويساهم فتح قنوات للحوار بين المكونات السياسية، وإجراء الإصلاحات السياسية والدستورية في تعزيز الثقة بين الفرقاء السياسيين ويعبر عن نضج العملية السياسية في العراق بعد اكثر من عقد من الزمن، وهو ما يتوج مسيرة النضال الطويل بوجه اعتى نظام ديكتاتوري شهدته الانسانية. ومن الضروري هنا ان لا ننسى أهمية الاستفادة القصوى من الدعم السياسي العالمي الحالي للعراق لوقفته بوجه الارهاب وسعيه الدؤوب نحو بناء مؤسساته الديمقراطية الدستورية.

سفير جمهورية العراق
في واشنطن
27/4/2015
لقراءة المقال من الموقع الأليكتروني لصحيفة الصباح العراقية الرجاء اضغط على الرابط ادناه:
http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=91750
.